سُورَة المَائِدة
وَقَال شيخ الإسلام ـ قدسَ اللَّه روحه :

فصل


سورة المائدة أجمعُ سورة فى القرآن لفروع الشرائع من التحليل والتحريم، والأمر والنهي؛ ولهذا روى عن النبى ﷺ أنه قال :( هي آخر القرآن نزولاً فأحِلّوا حلالها، وحرموا حرامها ) ؛ ولهذا افتتحت بقوله :﴿ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾ [ المائدة : ١ ]، والعقود هي العهود، وذكر فيها من التحليل والتحريم والإيجاب ما لم يذكر فى غيرها، والآيات فيها متناسبة مثل قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ﴾ [ المائدة : ٨٧ ].
وقد اشتهر فى التفسير أن هذه الآية نزلت بسبب الذين أرادوا التبتل من الصحابة، مثل عثمان بن مظعون والذين اجتمعوا معه. وفى الصحيحين حديث أنس فى الأربعة الذين قال أحدهم : أما أنا فأصوم لا أفْطِر، وقال الآخر : أما أنا فأقوم لا أنام، وقال الآخر أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الآخر : أما أنا فلا آكل اللحم، فقال النبى ﷺ :( لكني أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )، فيشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون قوله :﴿ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ﴾ فيمن حرم الحلال على نفسه بقول أو عزم على تركه، مثل الذي قال : لا أتزوج النساء ولا آكل اللحم، وهي الرهبانية المبتدعة؛ فإن الراهب لا ينكح ولا يذبح.


الصفحة التالية
Icon