وقوله :﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ ﴾ فيمن قال : أقوم لا أنام، وقال : أصوم لا أفطر؛ لأن الاعتداء مجاوزة الحد، فهذا مجاوز للحد في العبادة المشروعة، كالعدوان فى الدعاء فى قوله :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٥٥ ]، وقال النبى ﷺ :( سيكون قوم يعتدون فى الدعاء والطهور )، فالاعتداء فى العبادات، وفى الورع كالذين تحرجوا من أشياء ترخص فيها النبى صلى الله عليه وسلم، وفى الزهد كالذين حرموا الطيبات، وهذان القسمان ترك، فقوله :﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ ﴾ إما أن يكون مختصاً بجانب الأفعال العبادية، وإما أن يكون العدوان يشمل العدوان فى العبادة والتحريم، وهذان النوعان هما اللذان ذم الله المشركين بهما فى غير موضع، حيث عبدوا عبادة لم يأذن الله بها، وحرموا ما لم يأذن اللّه به، فقوله :﴿ لاَ تُحَرِّمُواْ ﴾، ﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ ﴾ يتناول القسمين.
والعدوان هنا كالعدوان فى قوله :﴿ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [ المائدة : ٢ ]، إما أن يكون أعم من الإثم، وإما أن يكون نوعا آخر، وإما أن يكون العدوان فى مجاوزة حدود المأمورات واجبها ومستحبها، ومجاوزة حد المباح، وإما أن يكون فى ذلك مجاوزة حد التحريم أيضاً؛ فإنها ثلاثة أمور : مأمور به ومنهى عنه ومباح.
ثم ذكر بعد هذا، قوله :﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ﴾ الآية [ المائدة : ٨٩ ]، ذكر هذا بعد النهي عن التحريم، ليبين المخرج من تحريم الحلال إذا عقد عليه يميناً باللّه أو يميناً أخرى، وبهذا يستدل على أن تحريم الحلال يمين.