ثم ذكر بعد ذلك ما حرمه من الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام، فبين به ما حرمه؛ فإن نفي التحريم الشرعي يقع فيه طائفة من الإباحية، كما يقع فى تحريم الحلال طائفة من هؤلاء، يكونون فى حال اجتهادهم ورياضتهم تحريمية، ثم إذا وصلوا ـ بزعمهم ـ صاروا إباحية، وهاتان آفتان تقع فى المتعبدة والمتصوفة كثيراً، وقرن بينهما حكم الأيمان؛ فإن كلاهما يتعلق بالفم داخلا وخارجا، كما يقرن الفقهاء بين كتاب الأيمان والأطعمة، وفيه رخصة فى كفارة الأيمان مطلقاً، خلافا لما شدد فيه طائفة من الفقهاء، من جعل بعض الأيمان لا كفارة فيها؛ فإن هذا التشديد مضاه للتحريم، فيكون الرجل ممنوعا من فعل الواجب أو المباح بذلك التشديد، وهذا كله رحمة من اللّه بنا دون غيرنا من الأمم التى حرم عليهم أشياء عقوبة لهم ولا كفارة في أيمانهم، ولم يطهرهم من الرجس كما طهرنا، فتدبر هذا فإنه نافع.
وقال شيخ الإِسلاَم ـ رَحِمه اللَّه :

فصل


قوله :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾ [ المائدة : ٤١ ]، قيل : اللام لام كي، أي يسمعون ليكذبوا ويسمعون لينقلوا إلى قوم آخرين لم يأتوك، فيكونون كذابين ونمامين جواسيس، والصواب أنها لام التعدية، مثل قوله :( سمع الله لمن حمده )، فالسماع مضمن معنى القبول، أي قابلون للكذب ويسمعون من قوم آخرين لم يأتوك ويطيعونهم، فيكون ذما لهم على قبول الخبر الكاذب، وعلى طاعة غيره من الكفار والمنافقين، مثل قوله :﴿ ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٧ ]، أي هم يطلبون أن يفتنوكم وفيكم من يسمع منهم، فيكون قد ذمهم على اتباع الباطل فى نوعي الكلام؛ خبره وإنشائه، فإن باطل الخبر الكذب، وباطل الإنشاء طاعة غير الرسل، وهذا بعيد.


الصفحة التالية
Icon