ثم قال :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [ المائدة : ٢٤ ]، فذكر أنهم فى غذائي الجسد والقلب يغتذون الحرام، بخلاف من يأكل الحلال ولا يقبل إلا الصدق، وفيه ذم لمن يروج عليه الكذب ويقبله، أو يؤثره لموافقته هواه ويدخل فيه قبول المذاهب الفاسدة؛ لأنها كذب، لاسيما إذا اقترن بذلك قبولها لأجل العوض عليها، سواء كان العوض من ذي سلطان أو وقف أو فتوح أو هدية أو أجرة أو غير ذلك، وهو شبيه بقوله :﴿ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ٌ ﴾ [ التوبة : ٣٤ ]... [ بياض بالأصل ] أهل البدع وأهل الفجور الذين يصدقون بما كذب به على اللّه ورسوله وأحكامه، والذين يطيعون الخلق فى معصية الخالق.
ومثله :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢١ - ٢٢٣ ]، فإنما تنزلت بالسمع الذي يخلط فيه بكلمة الصدق ألف كلمة من الكذب على من هو كذاب فاجر، فيكون سماعا للكذب من مسترقة السمع.
ثم قال فى السورة :﴿ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾ [ المائدة : ٦٣ ]، فقول الإثم وسماع الكذب وأكل السحت أعمال متلازمة فى العادة، وللحكام منها خصوص، فإن الحاكم إذا ارتشى سمع الشهادة المزورة، والدعوى الفاجرة، فصار سماعا للكذب أكالا للسحت، قائلا للإثم.
ولهذا خير نبيه ﷺ بين الحكم بينهم وبين تركه؛ لأنه ليس قصدهم قبول الحق وسماعه مطلقاً؛ بل يسمعون ما وافق أهواءهم وإن كان كذبا، وكذلك العلماء الذين يتقولون الروايات المكذوبة.
وَقَال شَيْخ الإسْلاَم ـ رَحمه اللّه تَعالى :


الصفحة التالية
Icon