وأكثر الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات شربة الخمر، كما قال تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ ﴾ [ المائدة : ٩١ ]، فجمعوا بين الشهوة المحرمة، وترك ذكر اللّه، وإضاعة الصلاة، وكذلك غيرهم من أهل الشهوات.
ثم نهى ـ سبحانه ـ عن تحريم ما أحل من الطيبات، وعن الاعتداء فى تناولها، وهو مجاوزة الحد، وقد فسر الاعتداء فى الزهد والعبادة بأن يحرموا الحلال ويفعلوا من العبادة ما يضرهم، فيكونوا قد تجاوزوا الحد وأسرفوا. وقيل : لا يحملنكم أكل الطيبات على الإسراف وتناول الحرام من أموال الناس، فإن آكل الطيبات والشهوات المعتدى فيها لابد أن يقع فى الحرام؛ لأجل الإسراف فى ذلك.
والمقصود بالزهد : ترك ما يضر العبد فى الآخرة، وبالعبادة : فعل ما ينفع فى الآخرة فإذا ترك الإنسان ما ينفعه فى دينه وينفعه فى آخرته وفعل من العبادة ما يضر فقد اعتدى وأسرف، وإن ظن ذلك زهداً نافعاً وعبادة نافعة.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والنَّخَعِي :﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ ﴾ أي : لا تَجُبُّوا [ أى : لاتقطعوا. نهى عن الاختصاء. انظر : لسان العرب، مادة : جبب ] أنفسكم. وقال عكرمة : لا تسيروا بغير سيرة المسلمين؛ من ترك النساء، ودوام الصيام والقيام. وقال مقاتل : لا تحرموا الحلال، وعن الحسن لا تأتوا ما نهى الله عنه، وهذا ما أريد به لا تحرموا الحلال ولا تفعلوا الحرام، فيكون قد نهى عن النوعين، لكن سبب نزول الآية وسياقها يدل على قول الجمهور، وقد يقال : هذا مثل قوله :﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ [ الأعراف : ٣١ ]، وقوله فى تمام الآية :﴿ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا ﴾ الآية [ المائدة : ٨٨ ].


الصفحة التالية
Icon