قال طاوس فى أمر النساء وقلة صبره عنهن ـ كما تقدم. فميل النفس إلى النساء عام فى طبع جميع بنى آدم، وقد يبتلى كثير منهم بالميل إلى الذكران، كما هو المذكور عنهم، فيبتلى بالميل إلى المردان، وإن لم يفعل الفاحشة الكبرى ابتلى بما هو دون ذلك من المباشرة والمشاهدة، ولا يكاد أن يسلم أحدهم من الفاحشة، إما فى سره وإما بينه وبين الأمرد، ويحصل للنفس من ذلك ما هو معروف عند الناس.
وقد ذكر الناس من أخبار العشاق ما يطول وصفه، فإذا ابتلى المسلم ببعض ذلك كان عليه أن يجاهد نفسه فى الله، وهو مأمور بهذا الجهاد ليس أمراً أوجبه وحرمه هو على نفسه، فيكون فى طاعة نفسه وهواه، بل هو أمر حرمه الله ورسوله ولا حيلة فيه، فيصير بالمجاهدة في طاعة اللّه ورسوله.
وفى حديث رواه أبو يحيى القتات عن مجاهد، عن ابن عباس ـ مرفرعًا ـ :( من عَشِق فَعفَّ وكَتَم وصبر ثم مات فهو شهيد )، وأبو يحيى فى حديثه نظر؛ لكن المعنى الذى ذكره دل عليه الكتاب والسنة؛ فإن الله أمر بالتقوى والصبر، فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرمه الله من نظر بعين، ومن لفظ بلسان، ومن حركة بيد ورجل، ومن الصبر أن يصبر عن شكوي ما به إلى غير الله عز وجل؛ فإن هذا هو الصبر الجميل.
وأما الكتمان فيراد به شيئان :
أحدهما : أن يكتم بَثَّه [ أى : حزنه الشديد. انظر : القاموس، مادة : بثث ] وألمه، فلا يشكو إلى غير الله، فمتى شكا إلى غير اللّه نقص صبره، وهذا أعلى الكتمانين، لكن هذا لا يقدر عليه كل أحد، بل كثير من الناس يشكو ما به، وهذا على وجهين :
فإن شكا ذلك إلى طبيب، يعرف طب الأديان، ومضرات النفوس ومنافعها؛ ليعالج نفسه بعلاج الإيمان، فهذا بمنزلة المستفتى، وهذا حسن. وإن شكا إلى من يعينه على المحرم فهذا حرام.