وكذلك أصحاب المتاجر والأموال، إذا سمع أحدهم بالمكاسب تحركت داعيته إلى ذلك، وكذلك أهل الفرج والتنزه، إذا رأوا من يقصد ذلك تحركوا إليه، وهذه الدواعي كلها مركوزة في نفوس بنى آدم، والإنسان ظلوم جهول.
وكذلك ذِكْر آثار رسول الله ﷺ تُذَكٍّر به وتحرك محبته، فالمبتلى بالفاحشة والعشق إذا ذكر ما به لغيره تحركت نفس ذلك الغير إلى جنس ذلك؛ لأن النفوس مجبولة على حب الصور الجميلة؛ فإذا تصورت جنساً تحرك إليها المحبوب.
ولهذا نهي الله ـ تعالى ـ عن إشاعة الفاحشة، وكذلك أمر بستر الفواحش، كما قال النبى ﷺ :( من ابتلى من هذه القاذورات بشيء فليستتر [ فى المطبوعة : فاليستتر ـ وهو خطأ ] بستر اللّه؛ فإنه من يُبَدِ لنا صَفْحَتَه نُقِمْ عليه كتاب الله )، وقال :( كل أمتى مُعَافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يبيت الرجل على الذنب قد ستره الله فيصبح يتحدث به )، فما دام الذنب مستوراً فعقوبته على صاحبه خاصة، وإذا ظهر ولم ينكر كان ضرره عاماً، فكيف إذا كان في ظهوره تحريك لغيره إليه.
ولهذا كره الإمام أحمد وغيره إنشاد الأشعار ـ الغزل الرقيق ـ لأنه يحرك النفوس إلى الفواحش؛ فلهذا أمر من يبتلى بالعشق أن يعف ويكتم ويصبر، فيكون حينئذ ممن قال الله فيه :﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٠ ].
والمقصود أنه يثاب على هذه المجاهدة، والمجاهد من جاهد نفسه في اللّه، وأما المبتدعون فى الزهد والعبادة، السالكون طريق الرهبان، فإنهم قد يزهدون فى النكاح، وفضول الطعام، والمال ونحو ذلك. وهذا محمود، لكن عامة هؤلاء لابد أن يقعوا فى ذنوب من هذا الجنس، كما نجد كثيراً منهم يبتلى بصحبة الأحداث، وإرفاق النساء؛ فيبتلون بالميل إلى الصور المحرمة من النساء والصبيان ما لا يبتلى به أهل السنة المتبعون للشريعة المحمدية.