فالنهي عنه إذا زاد شره بالنهي، وكان النهي مصلحة راجحة كان حسناً، وأما إذا زاد شره وعظم وليس فى مقابلته خير يفوته لم يشرع، إلا أن يكون فى مقابلته مصلحة زائدة؛ فإن أدى ذلك إلى شر أعظم منه لم يشرع، مثل أن يكون الآمر لا صبر له، فيؤذى فيجزع جزعا شديداً يصير به مذنباً، وينتقص به إيمانه ودينه.
فهذا لم يحصل به خير لا له ولا لأولئك، بخلاف ما إذا صبر واتقى اللّه وجاهد، ولم يتعد حدود اللّه، بل استعمل التقوى والصبر؛ فإن هذا تكون عاقبته حميدة.
وأولئك قد يتوبون فيتوب الله عليهم ببركته، وقد يهلكهم ببغيهم ويكون ذلك مصلحة، كما قال تعالى :﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ].
وأما الإنسان فى نفسه فلا يحل له أن يفعل، الذي يعلم أنه محرم لظنه أنه يعينه على طاعة الله؛ فإن هذا لا يكون إلا مفسدة، أو مفسدته راجحة على مصلحته، وقد تنقلب تلك الطاعة مفسدة؛ فإن الشارع حكيم، فلو علم أن فى ذلك مصلحة لم يحرمه، لكن قد يفعل الإنسان المحرم ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقة، وإنابة إلى اللّه ـ تعالى ـ فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها، فإن الإنسان قد يحصل له [ بعدم ] الذنوب كبر وعجب وقسوة، فإذا وقع فى ذنب أذله ذلك وكسر قلبه، ولين قلبه بما يحصل له من التوبة.