ولهذا قال سعيد بن جبير : إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، ويفعل السيئة فيدخل بها الجنة. وهذا هو الحكمة فى ابتلاء من ابتلى بالذنوب من الأنبياء والصالحين، وأما بدون التوبة فلا يكون المحرم إلا مفسدته راجحة، فليس للإنسان أن يعتقد حل ما يعلم أن اللّه حرمه قطعاً، وليس له أن يفعله قطعاً، فإن غلبته نفسه وشيطانه فوقع فيه تاب منه، فإن تاب فصار بالتوبة خيراً مما كان قبله، فهذا من رحمة اللّه به حين تاب عليه، وإلا فلو لم يتب لفسد حاله بالذنب، وليس له أن يقول : أنا أفعل ثم أتوب، ولا يبيح الشارع له ذلك، لأنه بمنزلة من يقول : أنا أطعم نفسي ما يمرضني ثم أتداوى، أو آكل السم ثم أشرب التِّرْيَاق [ هو دواء مركب. انظر : القاموس، مادة : ترق ].
والشارع حكيم؛ فإنه لا يدري هل يتمكن من التوبة أم لا ؟ وهل يحصل الدواء بالترياق وغيره أم لا ؟ وهل يتمكن من الشرب أم لا ؟ لكن لو وقع هذا وكانت آخرته إلى التوبة النصوح كان الله قد أحسن إليه بالتوبة، وبالعفو عما سلف من ذنوبه، وقد يكون مثل هذا ليس صلاحه إلا فى أن يذنب ويتوب، ولو لم يفعل ذلك كان شراً منه لو لم يذنب ويتوب؛ لكن هذا أمر يتعلق بخلق الله وقدره وحكمته، لا يمكن أحد أن يأمر به الإنسان؛ لأنه لا يدري أن ذلك خير له، وليس ما يفعله خلقاً ـ لعلمه وحكمته ـ يجوز للرسل وللعباد أن يفعلوه، ويأمروا به.


الصفحة التالية
Icon