وقصة الخِضْر مع موسى لم تكن مخالفة لشرع اللّه وأمره، ولا فعل الخضر ما فعله لكونه مقدراً كما يظنه بعض الناس، بل ما فعله الخضر هو مأمور به فى الشرع، بشرط أن يعلم من مصلحته ما علمه الخضر؛ فإنه لم يفعل محرماً مطلقاً، ولكن خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار؛ فإن إتلاف بعض المال لصلاح أكثره هو أمر مشروع دائما، وكذلك قتل الإنسان الصائل [ هو الذى يقتل الناس، ويعدو عليهم. انظر : القاموس، مادة : صؤل ] لحفظ دين غيره أمر مشروع، وصبر الإنسان على الجوع مع إحسانه إلى غيره أمر مشروع.
فهذه القضية تدل على أنه يكون من الأمور ما ظاهره فساد، فيحرمه من لم يعرف الحكمة التى لأجلها فعل، وهو مباح فى الشرع باطناً وظاهراً لمن علم ما فيه من الحكمة التى توجب حسنه وإباحته.
وهذا لا يجىء فى الأنواع الأربعة؛ فإن الشرك والقول على الله بلا علم، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، والظلم، لا يكون فيها شىء من المصلحة، وقتل النفس، أبيح فى حال دون حال، فليس من الأربعة. كذلك إتلاف المال يباح فى حال دون حال، وكذلك الصبر على المجاعة؛ ولذلك قال :﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٩ ].
فإخلاص الدين له والعدل واجب مطلقاً فى كل حال، وفى كل شرع، فعلى العبد أن يعبد اللّه مخلصاً له الدين، ويدعوه مخلصاً له، لا يسقط هذا عنه بحال، ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد، وهم أهل ( لا إله إلا الله ).
فهذا حق الله على كل عبد من عباده، كما فى الصحيحين من حديث معاذ أن النبى ﷺ قال له :( يا معاذ، أتدرى ما حق الله على عباده ؟ ) قلت : الله ورسوله أعلم. قال :( حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا ) الحديث.


الصفحة التالية
Icon