وكذلك فى حديث أبى ثعلبة الخشنى ـ مرفوعا ـ في تأويلها :( إذا رأيت شُحّا مُطاعا، وهَوًى متبعًا، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك بخويْصة نفسك ). وهذا يفسره حديث أبى سعيد فى مسلم :( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ). فإذا قوى أهل الفجور حتى لا يبقي لهم إصغاء إلى البر، بل يؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان فى هذه الحال، وبقى بالقلب.
والشح هو شدة الحرص التى توجب البخل والظلم، وهو منع الخير وكراهته، و ( الهوى المتبع ) فى إرادة الشر ومحبته و ( الإعجاب بالرأى ) فى العقل والعلم، فذكر فساد القوى الثلاث التى هي العلم والحب والبغض، كما فى الحديث الآخر :( ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه )، وبإزائها الثلاث المنجيات :( خشية اللّه فى السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق فى الغضب والرضا )، وهي التى سألها في الحديث الآخر :( اللهم إني أسألك خشيتك فى السر والعلانية، وأسألك كلمة الحق فى الغضب والرضا، وأسألك القصد فى الفقر والغنى ).
فخشية اللّه بإزاء اتباع الهوى؛ فإن الخشية تمنع ذلك، كما قال :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [ النازعات : ٤٠ ]، والقصد في الفقر والغنى بإزاء الشح المطاع، وكلمة الحق فى الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه، وما ذكره الصديق ظاهر؛ فإن اللّه تعالى قال :﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ أي : الزموها وأقبلوا عليها، ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي، وقال :﴿ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدى الواجب من الأمر النهي وغيرهما، ولكن فى الآية فوائد عظيمة :
أحدها : ألا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذا كان مهتديا.