الذي يدل عليه القرآن فى سورة المائدة فى آية الشهادة فى قوله :﴿ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ﴾ [ المائدة : ١٠٦ ] أي : بقولنا :﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾، حذف ضمير كان لظهوره، أي : ولو كان المشهود له، كما فى قوله :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ]، وكما فى قوله :﴿ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ ﴾ إلى قوله :﴿ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا ﴾ [ النساء : ١٣٥ ]، أي : المشهود عليه ونحو ذلك؛ لأن العادة أن الشهادة المزورة يعتاض عليها، وإلا فليس أحد يشهد شهادة مزورة بلا عوض ـ ولو مدح ـ أو اتخاذ يد. وآفة الشهادة : إما اللَّيُّ، وإما الإعراض؛ الكذب والكتمان، فيحلفان : لا نشتري بقولنا ثمناً، أي : لا نكذب ولا نكتم شهادة اللّه، أو : لا نشتري بعهد اللّه ثمناً؛ لأنهما كانا مؤتمنين، فعليهما عهد بتسليم المال إلى مستحقه؛ فإن الوصية عهد من العهود.
وقوله بعد ذلك :﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ﴾ [ المائدة : ١٠٧ ]، أعم من أن يكون في الشهادة أو الأمانة. وسبب نزول الآية يقتضي أنه كان في الأمانة؛ فإنهما استشهدا وائتمنا؛ لكن ائتمانهما ليس خارجا عن القياس، بل حكمه ظاهر، فلم يحتج فيه إلى تنزيل، بخلاف استشهادهما، والمعثور على استحقاق الإثم ظهور بعض الوصية عند من اشتراها منهما بعد أن وجد ذكرها في الوصية، وسئلا عنها فأنكراها.