وقوله :﴿ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ﴾ يحتمل أن يكون مضمناً معنى بغى عليهم، وعدى ﴿ عَلَيْهِمُ ﴾ كما يقال في الغصب : غصبت علي مالي؛ ولهذا قيل :﴿ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا ﴾ أي : كما اعتدوا، ثم قوله :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ [ المائدة : ١٠٨ ].
وحديث ابن عباس فى البخاري صريح فى أن النبى ﷺ حكم بمعنى ما فى القرآن، فرد اليمين على المدعيين بعد أن استحلف المدعى عليهم لما عثر على أنهما استحقا إثما، وهو إخبار المشترين أنهم اشتروا ( الجام ) [ هو إناء من فضة. انظر : القاموس، مادة : جوم ] منهما بعد قولهما ما رأيناه، فحلف النبى ﷺ اثنين من المدعيين الأوليان، وأخذ ( الجام ) من المشتري، وسلم إلى المدعي، وبطل البيع، وهذا لا يكون مع إقرارهما بأنهما باعا الجام؛ فإنه لم يكن يحتاج إلى يمين المدعيين لو اعترفا بأنه جام الموصى، وأنهما غصباه وباعاه، بل بقوا على إنكار قبضه مع بيعه، أو ادعوا مع ذلك أنه أوصى لهما به وهذا بعيد.
فظاهر الآية أن المدعى عليه المتهم بخيانة ونحوها ـ كما اتهم هؤلاء ـ إذا ظهر كذبه وخيانته كان ذلك لوثا يوجب رجحان جانب المدعي، فيحلف ويأخذ، كما قلنا فى الدماء سواء، والحكمة فيهما واحدة، وذلك أنه لما كانت العادة أن القتل لا يفعل علانية بل سراً، فيتعذر إقامة البينة، ولا يمكن أن يؤخذ بقول المدعي مطلقا، أخذ بقول من يترجح جانبه، فمع عدم اللوث جانب المنكر راجح، أما إذا كان قتل ولوث قوي جانب المدعي فيحلف.