قد كتبنا فى غير موضع الكلام على جمع الله ـ تعالى ـ بين الخيلاء والفخر وبين البخل، كما فى قوله :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ﴾ فى النساء [ ٣٦، ٣٧ ] والحديد [ ٢٣، ٢٤ ]، وضد ذلك الإعطاء والتقوى المتضمنة للتواضع، كما قال :﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ [ الليل : ٥ ]، وقال :﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [ النحل : ١٢٨ ]، وهذان الأصلان هما جماع الدين العام، كما يقال : التعظيم لأمر الله، والرحمة لعباد الله.
فالتعظيم لأمر اللّه يكون بالخشوع والتواضع، وذلك أصل التقوى والرحمة لعباد الله بالإحسان إليهم، وهذان هما حقيقة الصلاة والزكاة، فإن الصلاة متضمنة للخشوع لله والعبودية له، والتواضع له، والذل له، وذلك كله مضاد للخيلاء والفخر والكبر. والزكاة متضمنة لنفع الخلق والإحسان إليهم، وذلك مضاد للبخل.
ولهذا وغيره، كثر القِران بين الصلاة والزكاة فى كتاب الله.
وقد ذكرنا فيما تقدم : أن الصلاة بالمعنى العام تتضمن كل ما كان ذكراً للّه أو دعاء له، كما قال عبد اللّه بن مسعود : مادمتَ تذكر اللّه فأنت فى صلاة، ولو كنت فى السوق، وهذا المعنى ـ وهو دعاء اللّه أى قصده والتوجه إليه المتضمن ذكره على وجه الخشوع والخضوع ـ هو حقيقة الصلاة الموجودة فى جميع موارد اسم الصلاة، كصلاة القائم والقاعد والمضطجع. والقارئ والأمى والناطق والأخرس، وإن تنوعت حركاتها وألفاظها؛ فإن إطلاق لفظ الصلاة على مواردها هو بالتواطؤ المنافى للاشتراك والمجاز، وهذا مبسوط فى غير هذا الموضع.


الصفحة التالية
Icon