وَقَالَ الشيخ تقى الدّين أحمد بن تيميَّة على قول الله عز وجل :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ الأعراف : ٥٥، ٥٦ ] :
هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعى الدعاء : دعاء العبادة، ودعاء المسألة. فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة، ويراد به مجموعهما، وهما متلازمان؛ فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعى، وطلب كشف ما يضره ودفعه. وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود، لابد أن يكون مالكًا للنفع والضر.
ولهذا أنكر ـ تعالى ـ على من عبد من دونه ما لا يملك ضرًا ولا نفعًا، وذلك كثير في القرآن، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾ [ يونس : ١٠٦ ]، وقال :﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ [ يونس : ١٨ ]، فنفي ـ سبحانه ـ عن هؤلاء المعبودين الضر والنفع القاصر والمتعدى، فلا ىملكون لأنفسهم ولا لعابديهم.
وهذا كثير في القرآن، يبين ـ تعالى ـ أن المعبود لا بد أن يكون مالكًا / للنفع والضر، فهو يدعو للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعو خوفًا ورجاءً دعاء العبادة، فَعُلِم أن النوعين متلازمان. فكل دعاء عبادةٍ مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألةٍ متضمن لدعاء العبادة.