وعلى هذا، فقوله :﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ]، يتناول نوعى الدعاء، وبكل منهما فسرت الآية. قيل : أعطيه إذا سألنى. وقيل : أثيبه إذا عبدنى. والقولان متلازمان. وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعًا، فتأمله فإنه موضوع عظيم النفع، وقَلمَّا يفطن له. وأكثر آيات القرآن دالة على معنيين فصاعدًا، فهى من هذا القبيل.
مثال ذلك قوله تعالى :﴿ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ]، فُسِّر ( الدلوك ) بالزوال، وفُسِّر بالغروب، وليس بقولين، بل اللفظ يتناولهما معًا؛ فإن الدلوك : هو الميل. ودلوك الشمس : ميلها.
ولهذا الميل مبتدأ ومنتهى، فمبتدؤه الزوال، ومنتهاه الغروب، واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار.
ومثاله أيضًا : تفسير ( الغاسق ) بالليل، وتفسيره بالقمر، فإن ذلك / ليس باختلاف، بل يتناولهما لتلازمهما؛ فإن القمر آية الليل. ونظائره كثيرة.
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ قٍلً مّا يّعًبّأٍ بٌكٍمً رّبٌَي لّوًلا دٍعّاؤٍكٍم ﴾ [ الفرقان : ٧٧ ] أي : دعاؤكم إياه، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافًا إلى المفعول، ومحل الأول مضافًا إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين.
وعلى هذا، فالمراد به نوعى الدعاء، وهو في دعاء العبادة أظهر، أي : ما يعبأ بكم لولا أنكم ترجونه، وعبادته تستلزم مسألته. فالنوعان داخلان فيه.
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ]، فالدعاء يتضمن النوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ الآية [ غافر : ٦٠ ]. ويفسر الدعاء في الآية بهذا وهذا.