وروى الترمذى عن النعمان بن بشير، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول ـ على المنبرـ :( إن الدعاء هو العبادة ). ثم قرأ قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ الآية. قال الترمذى : حديث حسن صحيح.
وأما قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ الآية [ الحج : ٧٣ ]، وقوله :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا ﴾ الآية [ النساء : ١١٧ ]، وقوله :﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ ﴾ الآية [ فصلت : ٤٨ ]. وكل موضع ذكر فيه دعاء المشركين لأوثانهم، فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهر؛لوجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم قالوا :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [ الزمر : ٣ ]. فاعترفوا بأن دعاءهم إياهم عبادتهم لهم.
الثانى : أن الله ـ تعالى ـ فسر هذا الدعاء في موضع آخر، كقوله تعالى :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴾ [ الشعراء : ٩٢، ٩٣ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ]، وقوله تعالى :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [ الكافرون : ٢ ]، فدعاؤهم لآلهتهم هو عبادتهم.
الثالث : أنهم كانوا يعبدونها في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد، دعوا الله وحده وتركوها، ومع هذا، فكانوا يسألونها بعض حوائجهم ويطلبون منها. وكان دعاؤهم لها دعاء عبادة ودعاء مسألة.
وقوله تعالى :﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [ غافر : ١٤ ]، هو دعاء العبادة، والمعنى : اعبدوه وحده، وأخلصوا عبادته، لا تعبدوا معه غيره.