وأما قوله :﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ ﴾ [ القصص : ٦٤ ]، فهذا دعاء المسألة، يكبتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم، إن شركاءهم لا يستجيبون لهم دعوتهم، وليس المراد اعبدوهم. وهو نظير قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ [ الكهف : ٥٢ ].
إذا عرف هذا، فقوله تعالى :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [ الأعراف : ٥٥ ]، يتناول نوعى الدعاء؛ لكنه ظاهر في دعاء المسألة، متضمن دعاء العبادة؛ ولهذا أمر بإخفائه وإسراره. قال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضِعفًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، أي : ما كانت إلا همسًا بينهم وبين ربهم ـ عز وجل ـ وذلك أن الله ـ عز وجل ـ يقول :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾، وأنه ذكر عبدًا صالحًا ورضى بفعله، فقال :﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾ [ مريم : ٣ ]. وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة :
أحدها : أنه أعظم إيمانًا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
وثانيها : أنه أعظم في الأدب والتعظيم؛ لأن الملوك لا ترفع / الأصوات عندهم، ومن رفع صوته لديهم مَقَتُوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي؛ فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.
وثالثها : أنه أبلغ في التضرع والخشوع، الذى هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه، فلا يطاوعه بالنطق. وقلبه يسأل طالبًا مبتهلاً، ولسانه لشدة ذلته ساكتًا، وهذه الحال لا تأتى مع رفع الصوت بالدعاء أصلا.
ورابعها : أنه أبلغ في الإخلاص.