وسبب هذا عدم اقتران الخوف من الله بحبه وإرادته؛ ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حرورى، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن.
والمقصود أن تجريد الحب والذكر عن الخوف يوقع في هذه المعاطب، فإذا اقترن بالخوف جمعه على الطريق ورده إليها كلما كَلَّها [ أي أتعبها وأثقلها. انظر : المصباح المنير، مادة : كلل ] شىء، كالخائف الذى معه سوط يضرب به مطيته؛ لئلا تخرج عن الطريق، والرجا حاد يحدوها يطلب لها السير، والحب قائدها وزمامها الذى يسوقها، فإذا لم يكن للمطية سوط ولا عصى يردها إذا حادت عن الطريق، خرجت عن الطريق وضلت عنها.
فما حُفِظَت حدود الله ومحارمه، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته، فمتى خلا القلب من هذه الثلاث، فسد فسادًا لا ىُرجى صلاحه أبدًا، ومتى ضعف فيه شىء من هذه ضعف إيمانه بحسبه، فتأمل أسرار القرآن وحكمته في اقتران الخِيفَة بالذكر، والخُفْية بالدعاء مع دلالته على اقتران الخُفْية بالدعاء والخِيفة بالذكر أيضًا، وذكر الطمع الذى هو الرجاء في آية الدعاء؛ لأن الدعاء مبنى عليه، فإن الداعى ما لم يطمع في سؤاله ومطلوبه، لم تتحرك نفسه لطلبه، إذ طلب ما لا طمع له فيه ممتنع، وذكر الخوف في آية الذكر لشدة حاجة الخائف /إليه، فذكر في كل آية ما هو اللائق بها من الخوف والطمع، فتبارك من أنزل كلامه شفاء لما في الصدور.