وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٥٥ ]، قيل : المراد : أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذى يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك. وقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مَعْقِل أنه سمع ابنه يقول : اللهم إنى أسألك القَصْرَ الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال : يا بنى، سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإنى سمعت رسول الله ﷺ يقول :( سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطَّهُور والدعاء ).
وعلى هذا، فالاعتداء في الدعاء، تارة بأن يسأل ما لايجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدًا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.
وفسر الاعتداء برفع الصوت ـ أيضًا ـ في الدعاء.
وبعد، فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء بالدعاء مرادًا / بها فهو من جملة المراد والله لا يحب المعتدين في كل شىء، دعاءً كان أو غيره، كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [ البقرة : ١٩٠، والمائدة : ٧٨ ].
وعلى هذا، فيكون أمر بدعائه وعبادته، وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا، فإن أعظم العدوان الشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لابد أن يكون داخلا في قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾، ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء هذا كالمستغنى المدلى على ربه، وهذا من أعظم الاعتداء لمنافاته لدعاء الذليل. فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد.