ومن الاعتداء أن يعبده بما لم يشرع، ويثنى عليه بما لم يثن به على نفسه، ولا أذن فيه، فإن هذا اعتداء في دعائه الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب.
وعلى هذا، فتكون الآية دالة على شيئىن :
أحدهما : محبوب للرب ـ سبحانه ـ وهو الدعاء تضرعًا وخُفْيَة.
الثانى : مكروه له مسخوط وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه وندب إليه، وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزجر، والتحذير /، وهو لا يحب فاعله، ومن لا يحبه الله فأي خير يناله ؟
وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ عقيب قوله :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾، دليل على أن من لم يدعه تضرعًا وخفية، فهو من المعتدين الذين لا يحبهم، فقسمت الآية الناس إلى قسمين : داع لله تضرعًا وخفية، ومعتد بترك ذلك.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ]، قال أكثر المفسرين : لا تفسدوا فيها بالمعاصى، والداعى إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله مفسد؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم الفساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو الشرك بالله، ومخالفة أمره، قال الله تعالى :﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [ الروم : ٤١ ]، قال عطية في الآية : ولا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم. وقال غير واحد من السلف : إذا قَحَط المطر فالدواب تلعن عصاة بنى آدم، فتقول : اللهم العنهم فبسببهم أَجْدَبَت الأرض، وقَحَط المطر.