وبالجملة، فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، أو مُطَاعٍ مُتَّبِع غير الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أعظم الفساد / في الأرض، ولا صلاح لها ولأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسول الله ﷺ وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أمر بمعصيته فلا سمع ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله ﷺ ودينه، وبالأمر بالتوحيد، ونهى عن فسادها بالشرك به، ومخالفة رسوله ﷺ.
ومن تدبر أحوال العالم، وجد كل صلاح في الأرض؛ فسببه توحيد الله وعبادته، وطاعة رسوله ﷺ. وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقَحْط وتسليط عدو وغير ذلك؛ فسببه مخالفة الرسول ﷺ والدعوة إلى غير الله. ومن تدبر هذا حق التدبر، وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه، وفي غيره عمومًا وخصوصًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى :﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ]، إنما ذكر الأمر بالدعاء لما ذكره معه من الخوف والطمع، فأمر أولاً بدعائه تضرعًا وخفية، ثم أمر ـ أيضًا ـ أن يكون الدعاء خوفًا وطمعًا.
وفصل الجملتين بجملتين :
إحداهما : خبرية ومتضمنة للنهى، وهى قوله :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾.
والثانية : طلبية، وهى قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾، والجملتان مقررتان للجملة الأولى، مؤكدتان لمضمونها.
ثم لما تم تقريرها وبيان ما يضاده، أمر بدعائه خوفًا وطمعًا؛ لتعلق قوله :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ بقوله تعالى :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾.