ولما كان قوله :﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ مشتملاً على جميع مقامات الإيمان والإحسان، وهى الحب والخوف والرجاء، عقبها بقوله :﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ]، أي : إنما تنال من دعاه خوفًا وطمعًا، فهو المحسن، والرحمة قريب منه؛ لأن مدار الإحسان على هذه الأصول الثلاثة.
ولما كان دعاء التضرع والخفية يقابل الاعتداء بعدم التضرع والخفية، عقب ذلك بقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾. وانتصاب قوله :﴿ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ و ﴿ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ على الحال، أي : ادعوه متضرعين إليه، مختفين خائفين مطيعين.
وقوله :﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ فيه تنبيه ظاهر على أن فعل هذا المأمور هو الإحسان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم من / الله رحمته، ورحمته قريب من المحسنين، الذين فعلوا ما أُمِروا به من دعائه تضرعًا وخفية، وخوفًا وطمعًا. فقرر مطلوبكم منه، وهو الرحمة بحسب أدائكم لمطلوبه، وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ له دلالة بمنطوقه، ودلالة بإيمائه وتعليله بمفهومه. فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان، ودلالته بإيمائه وتعليله على أن هذا القرب مستحق بالإحسان، وهو السبب في قرب الرحمة منهم، ودلالته بمفهومه على بعده من غير المحسنين.


الصفحة التالية
Icon