فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة، وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة؛لأنها إحسان من الله ـ عز وجل ـ أرحم الراحمين، وإحسانه ـ تبارك وتعالى ـ إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكلما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته، وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بَعُدَ عن الإحسان بَعُدَتْ عنه الرحمة، بُعْدٌ ببُعْدٍ، وقُرْبٌ بِقُرْب، فمن تقرب إليه بالإحسان تقرب الله إليه برحمته، ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته.
والله ـ سبحانه ـ يحب المحسنين، ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه الله فرحمته أقرب شىء منه، ومن أبغضه الله فرحمته أبعد / شىء منه، والإحسان هاهنا هو فعل المأمور به، سواء كان إحسانًا إلى الناس أو إلى نفسه، فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله ـ تعالى ـ والإقبال إليه والتوكل عليه، وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالا ومهابة، وحياء ومحبة وخشية.
فهذا هو مقام الإحسان، كما قال النبي ﷺ وقد سأله جبريل ـ عليه السلام ـ عن الإحسان : فقال :( أن تَعْبُدَ الله كأنك تراه )، فإذا كان هذا هو الإحسان، فرحمته قريب من صاحبه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ يعنى : هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه، قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ هل جزاء من قال : لا إله إلا الله، وعمل بما جاء به محمد ﷺ إلا الجنة ؟
وقد ذكر ابن أبى شيبة وغيره من حديث الزبير بن عدى عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : قرأ رسول الله ﷺ :﴿ هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [ الرحمن : ٦٠ ] ثم قال :( هل تدرون ما قال ربكم ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم. قال :( هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة ).
آخر الكلام على الآيتين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
وقال شيخ الإسلام ـ رَحِمهُ الله :


الصفحة التالية
Icon