التحقيق : أن الله ـ سبحانه ـ إنما يصطفى لرسالته من كان خيار قومه حتى فى النسب، كما فى حديث هرقل. ومن نشأ بين قوم مشركين جهال، لم يكن عليه نقص إذا كان على مثل دينهم، إذا كان معروفًا بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه، وترك ما يعرفون قبحه.
قال تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، فلم يكن هؤلاء مُسْتَوْجبين العذاب، وليس فى هذا ما يُنَفِّر عن القبول منهم؛ ولهذا لم يذكره أحد من المشركين قادحًا.
وقد اتفقوا على جواز بعثة رسول لا يعرف ما جاءت به الرسل قبله من النبوة والشرائع، وأن من لم يقر بذلك بعد الرسالة فهو كافر، / والرسل قبل الوحى لا تعلمه فضلاً عن أن تقر به، قال تعالى :﴿ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ﴾ الآية [ النحل : ٢ ]، وقال :﴿ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى
مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ﴾
[ غافر : ١٥ ]، فجعل إنذارهم بالتوحيد كالإنذار بيوم التلاق، وكلاهما عرفوه بالوحى.
وما ذكر أنه ﷺ بُغِّضَت إليه الأوثان، لا يجب أن يكون لكل نبى، فإنه سيد ولد آدم، والرسول الذى ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم يكون أكمل من غيره، من جهة تأييد الله له بالعلم والهدى، وبالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم.
ولهذا يضيف الله الأمر إليهما فى مثل قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية [ الحديد : ٢٦ ] ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية [ آل عمران : ٣٣ ] وذلك أن نوحًا أول رسول بعث إلى المشركين، وكان مبدأ شركهم من تعظيم الموتى الصالحين. وقوم إبراهيم مبدأه من عبادة الكواكب، ذاك الشرك الأرضى، وهذا السماوى؛ ولهذا سد ﷺ ذريعة هذا وهذا.
وَقَالَ شيخ الإسلام ـ رَحِمهُ الله :


الصفحة التالية
Icon