وفى الصحيح عن عائشة قالت : نزلت فى الدعاء، وفى الصحيح عن ابن عباس قال : كان النبى ﷺ يجهر بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله، ومن أُنزل عليه، فقال الله : لا تجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت به عن أصحابك فلا يسمعوه، فنهاه عن الجهر والمُخافَتة. فالمُخافَتة هى ذكره فى نفسه، والجهر المنهى عنه هو الجهر المذكور فى قوله :﴿ وَدُونَ الْجَهْرِ ﴾ / فإن الجهر هو الإظهار الشديد، يقال : رجل جهورى الصوت، ورجل جهير.
وكذلك قول عائشة فى الدعاء، فإن الدعاء كما قال تعالى :﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [ الأعراف : ٥٥ ] وقال :﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾ [ مريم : ٣ ]، فالإخفاء قد يكون بصوت يسمعه القريب وهو المناجاة، والجهر مثل المناداة المطلقة، وهذا كقوله ﷺ ـ لما رفع أصحابه أصواتهم بالتكبير ـ فقال :( أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تَدْعُون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عُنُق راحلته ).
ونظير قوله :﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٥ ]، قوله ﷺ فيما روى عن ربه :( من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه )، وهذا يدخل فيه ذكره باللسان فى نفسه، فإنه جعله قسيم الذكر فى الملأ، وهو نظير قوله :﴿ $ّدٍونّ بًجّهًرٌ مٌنّ بًقّوًل ﴾، والدليل على ذلك أنه قال :﴿ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ ومعلوم أن ذكر الله المشروع بالغدو والآصال فى الصلاة، وخارج الصلاة هو باللسان مع القلب، مثل صلاتى الفجر والعصر، والذكر المشروع عقب الصلاتين، وما أمر به النبى ﷺ وعلَّمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشروعة / طرفى النهار بالغدو والآصال.