فالعبد المؤمن إذا تاب وبدَّل اللّه سيئاته حسنات، انقلب ما كان يضره من السيئات بسبب توبته حسنات ينفعه اللّه بها، فلم تبق الذنوب بعد التوبة مضرة له، بل كانت توبته منها من أنفع الأمور له، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية، فمن نسي القرآن ثم حَفِظَه خير من حِفْظِه الأول لم يضره النسيان، ومن مرض ثم صح وقوي لم يضره المرض العارض.
واللّه ـ تعالى ـ يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه؛ ليحصل له بذلك من تكميل العبودية والتضرع، والخشوع للّه والإنابة إليه، وكمال الحذر في المستقبل والاجتهاد في العبادة ما لم يحصل بدون التوبة كمن ذاق الجوع والعطش، والمرض والفقر والخوف، ثم ذاق الشِّبَع والرِّي والعافية والغني والأمن، فإنه يحصل له من المحبة لذلك وحلاوته ولذته، والرغبة فيه وشكر نعمة اللّه علىه، والحذر أن يقع فيما حصل أولا ما لم يحصل بدون ذلك. وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
وينبغي أن يعرف أن التوبة لابد منها لكل مؤمن، ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من اللّه، ويزول عنه كل ما يكره إلا بها.
ومحمد ﷺ أكمل الخلق وأكرمهم على اللّه، وهو المقدم على جميع الخلق في أنواع الطاعات، فهو أفضل المحبين للّه، وأفضل المتوكلين على اللّه، وأفضل العابدين له، وأفضل العارفين به، وأفضل التائبين إليه، وتوبته أكمل من توبة غيره؛ ولهذا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.