وقال أبو الدرْدَاء : لا تهلك أمة حتي يتبعوا أهواءهم، ويتركوا ما جاءتهم به أنبياؤهم من البينات والهدي، وقال تعالى :﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [ يوسف : ١٠٨ ]، فمن اتبعه يدعو إلى الله على بصيرة، والبصيرة هي البينة. وقال :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾ الآية [ الأنعام : ١٢٢ ]. فالنور الذي يمشي به في الناس هو البينة والبصيرة، وقال :﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ الآية [ النور : ٣٥ ].
قال أُبَي بن كعب وغيره : هو مثل نور المؤمن، وهو نوره الذي في قلب عبده المؤمن الناشئ عن العلم النافع، والعمل الصالح، وذلك بينة من ربه. وقال :﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [ الزمر : ٢٢ ]، فهذا النور الذي هو عليه وشرح الصدر للإسلام هو البينة من ربه، وهو الهدي المذكور في قوله :﴿ أُوْلَئِكَ على هُدًي مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ٥ ] واستعمل في هذا حرف الاستعلاء؛ لأن القلب لا يستقر ولا يثبت إلا إذا كان عالمًا موقنًا بالحق، فيكون العلم والإيمان صبغة له ينصبغ بها، كما قال :﴿ صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ﴾ [ البقرة : ١٣٨ ]، ويصير مكانة له، كما قال :﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٣٥ ]، والمكان والمكانة : قد يراد به ما يستقر الشيء علىه، وإن لم يكن محيطًا به كالسقف ـ مثلا ـ وقد يراد به ما يحيط به.


الصفحة التالية
Icon