وأما قول من قال :( الشاهد ) من نفس المذكور وفسره بلسانه، أو بعلى بن أبي طالب، فهذا ضعيف؛ لأن كون شاهد الإنسان منه لا يقتضي أن يكون الشاهد صادقًا، فإنه مثل شهادة / الإنسان لنفسه، بخلاف ما إذا كان الشاهد من الله، فإن الله يكون هو الشاهد، وهذا كما قيل في قوله :﴿ قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [ الرعد : ٤٣ ]، إنه على فهذا ضعيف؛ لأن شهادة قريب له قد اتبعه على دينه ولم يهتد إلا به لا تكون برهانًا للصدق، ولا حجة على الكفر، بخلاف شهادة من عنده علم الكتاب الأول فإن هؤلاء شهادتهم برهان ورحمة، كما قال في هذه السورة :﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَي إِمَامًا وَرَحْمَةً ﴾ [ هود : ١٧ ]، وقال :﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ ﴾ [ الأحقاف : ١٠ ]، وقال :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ] وقال :﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ]، وهذا الشاهد من الله هو القرآن.
ومن قال : إنه جبريل، فجبريل لم يقل شيئًا من تلقاء نفسه، بل هو الذي بلغ القرآن عن الله، وجبريل يشهد أن القرآن منزل من الله، وأنه حق، كما قال :﴿ لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إليكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ﴾ [ النساء : ١٦٦ ]، والذي قال هو جبريل. قال : يتلوه، أي : يقرؤه، كما قال :﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [ القيامة : ١٨ ]، أي : إذا قرأه جبريل فاتبع ما قرأه. وقال :﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [ النجم : ٥ ].