وقد قال الحسن البصري :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ قال : المؤمن على بينة من ربه، ورواه ابن أبي حاتم، وروي عن الحسين بن على ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ يعني : محمدًا شاهد من الله، وهي تقتضي أن يكون الذي على البينة من شهد له.
وقول القائل : من قال : هو محمد، كقول من قال : هو جبريل، فإن كلاهما بلَّغ القرآن، والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس،/ فاصطفي جبريل من الملائكة، واصطفي محمدًا من الناس. وقال في جبريل :﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [ التكوير : ١٩ ]، وقال في محمد :﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [ الحاقة : ٤٠ ] وكلاهما رسول من الله، كما قال :﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ [ البينة : ١ ـ ٣ ] فكلاهما رسول من الله بلغ ما أرسل به، وهو يشهد أن ما جاء به هو كلام الله، وأما شهادتهم بما شهد به القرآن فهذا قدر مشترك بين كل من آمن بالقرآن، فإنه يشهد بكل ما شهد به القرآن؛ لكونه آمن به، سواء كان قد بلغه أو لم يبلغه.
ولهذا كان إيمان الرسول بما جاء به غير تبليغه له، وهو مأمور بهذا وبهذا وله أجر على هذا وهذا، كما قال :﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليه مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ]، ولهذا كان يقول : أشهد أني عبد الله ورسوله، فشهادة جبريل ومحمد بما شهد به القرآن من جهة إيمانهما به، لا من جهة كونهما مرسلين به، فإن الإرسال به يتضمن شهادتهما أن الله قاله، وقد يرسل غير رسول بشيء، فيشهد الرسول أن هذا كلام المرسل وإن لم يكن المرسل صادقًا ولا حكيمًا، ولكن علم أن جبريل ومحمدًا يعلمان أن الله صادق حكيم، فهما يشهدان بما شهد الله به.


الصفحة التالية
Icon