ولهذا جعل الإيمان بينة، وجعل القرآن شاهدًا؛ لأن البينة من البيان، و ( البينة ) : هي السبيل البينة، وهي الطريق البينة الواضحة، وهي ـ أيضًا ـ ما يبين بها الحق، فهي بينة في نفسها مبينة لغيرها، وقد تفسر بالبيان وهي الدلالة والإرشاد، فتكون كالهدي، كما يقال : فلان على هدي وعلى علم، فيفسر بمعنى المصدر والصفة والفاعل. ومنه قوله :﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾ [ طه : ١٣٣ ]، أي : بيان ما فيها أو يبين ما فيها، أو الأمر البين فيها. وقد سُمِّي الرسول بينة كما قال :﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [ البينة : ١، ٢ ]، فإنه يبين الحق، والمؤمن على سبيل بينة ونور من ربه، والشاهد المقصود به شهادته للمشهود له، فهو يشهد للمؤمن بما هو علىه، وجعل الإيمان من الله كما جعل الشاهد من الله؛لأن الله أنزل الإيمان في جذر قلوب الرجال، كما في الصحيحين عن حُذَيْفَة، عن النبي ﷺ قال :( إن الله أنزل الإيمان في جذر قلوب الرجال، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ).
وأيضًا، فالإيمان ما قد أمر الله به.
وأيضًا، فالإيمان إنما هو ما أخبر به الرسول، وهذا أخبر به الرسول لكن الرسول له وحيان : وحي تكلم الله به يتلي، ووحي لا يتلي فقال :/ ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إليكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ الآية [ الشوري : ٥٢ ]، وهو يتناول القرآن والإيمان. وقيل : الضمير في قوله :﴿ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [ الشوري : ٥٢ ]، يعود إلى الإيمان، ذكر ذلك عن ابن عباس. وقيل : إلى القرآن. وهو قول السُدِّي، وهو يتناولهما، وهو في اللفظ يعود إلى الروح الذي أوحاه، وهو الوحي الذي جاء بالإيمان والقرآن.