وقد جعل النبى ﷺ البغض فى الله من أوثق عُرَى الإيمان، وهو أصل الترك، وجعل المنع لله من كمال الإيمان وهو أصل الترك. وكذلك براءة الخليل من قومه المشركين ومعبوديهم ليست تركا محضاً، بل صادراً عن بغض وعداوة. وأما السيئات فمنشؤها من الظلم والجهل. وفى الحقيقة كلها ترجع إلى الجهل، وإلا فلو تم العلم بها لم يفعلها؛ فإن هذا خاصة العقل، وقد يغفل عن هذا كله بقوة وارد الشهوة، والغفلة، والشهوة أصل الشر، كما قال تعالى :﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ الآية [ الكهف : ٢٨ ].
السابع : أن ابتلاءه له بالذنوب عقوبة له على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه.
الثامن : أن ما يصيبه من الخير والنعم لا تنحصر أسبابه من إنعام الله عليه، فيرجع فى ذلك إلى الله، ولا يرجو إلا هو؛ فهو يستحق الشكر التام الذى لا يستحقه غيره، وإنما يستحق من الشكر جزاء على ما يسره الله على يديه، ولكن لا يبلغ أن يشكر بمعصية الله، فإنه المنعم بما لا يقدر عليه مخلوق، ونعم المخلوق منه أيضاً، وجزاؤه على الشكر والكفر لا يقدر أحد على مثله.
فإذا عرف أن ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾ [ فاطر : ٢ ] صار توكله ورجاؤه إلى الله وحده، وإذا عرف ما يستحقه من الشكر الذى يستحقه صار له... [ بياض بالأصل ]، والشر انحصر سببه فى النفس؛ فعلم من أين يؤتى فتاب واستعان بالله، كما قال بعض السلف : لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، وقد تقدم قول السلف ـ ابن عباس وغيره ـ أن ما أصابهم يوم أحد مطلقاً كان بذنوبهم لم يستثن أحد، وهذا من فوائد تخصيص الخطاب؛ لئلا يظن أنه عام مخصوص.