وقوله تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي كل من كان على بينة من ربه، فإنه يؤمن بالشاهد من الله، والإيمان به إيمان بما جاء به موسى، قال :﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ وهم المتبعون لمحمد ﷺ من أصحابه وغيرهم إلى قيام الساعة، ثم قال :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾، والأحزاب هم : أصناف الأمم، الذين تحزبوا وصاروا أحزابًا، كما قال تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ [ غافر : ٥ ].
وقد ذكر الله طوائف الأحزاب في مثل هذه السورة وغيرها، وقد قال تعالى عن مكذبي محمد ﷺ :﴿ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ ﴾ [ ص : ١١ ]، وهم الذين قال فيهم :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ علىهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إليه وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [ الروم : ٣٠ - ٣٢ ]، وقال عن أحزاب النصارى :﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ الآيات [ مريم : ٣٧ ].
وأما من قال : الضمير في قوله :﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعود على أهل الحق قال : إنه موسى وعيسى ومحمد. فإنه إن أراد بهم من كان مؤمنًا بالكتابين قبل نزول القرآن، فلم يتقدم لهم ذكر، والضمير في قوله :﴿ بِهِ ﴾ مفرد، ولو آمن مؤمن بكتاب موسى دون الإنجيل بعد نزوله وقيام الحجة عليه به لم يكن مؤمنًا.


الصفحة التالية
Icon