وهذان القولان حكاهما أبو الفرج ولم يسم قائلهما، والبغوي وغيره لم يذكروا نزاعًا في أنهم من آمن بمحمد، ولكن ذكروا قولاً أنهم من آمن به من أهل الكتاب، وهذا قريب. ولعل الذي حكي قولهم أبو الفرج أرادوا هذا، وإلا فلا وجه لقولهم.
ومن العجب، أن أبا الفرج ذكر بعد هذا في الأحزاب أربعة أقوال :
أحدها : أنهم جميع الملل، قاله سعيد بن جبير.
والثاني : اليهود والنصارى، قاله قتادة.
والثالث : قريش، قاله السدي.
والرابع : بنو أمية وبنو المغيرة، قال : ـ أي : أبي طلحة بن عبد العزي ـ قاله مقاتل.
وهذه الآية تقتضي أن الضمير يعود إلى القرآن في قوله :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ ﴾، وكذلك :﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أنه القرآن، ودليله قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ هود : ١٧ ]، وهذا هو القرآن بلا ريب، وقد قيل : هو الخبر المذكور، وهو أنه من يكفر به من الأحزاب، وهذا ـ أيضًا ـ هو القرآن، فعلم أن المراد هو الإيمان بالقرآن، والكفر به باتفاقهم، وأنه من قال في أولئك أنهم غير من آمن بمحمد لم يتصور ما قال.
وقد تقدم في قوله :﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ﴾ وجهان : هل هو عطف جملة أو مفرد ؟ لَكنْ الأكثرون على أنه مفرد. وقال الزجاج : المعنى : وكان من قبل هذا كتاب موسى. دليل على أمر محمد، فيتلون كتاب موسى عطفًا على قوله :﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ أي : ويتلو كتاب موسى؛ لأن موسى وعيسى بُشِّرا بمحمد في التوراة والإنجيل، ونُصِّبَ إماما على الحال.


الصفحة التالية
Icon