قلت : قد تقدم أن الشاهد يتلو على من كان على بينة من ربه، أي : يتبعه شاهدًا له بما هو عليه من البينة. وقوله :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ كمن لم يكن، قال الزجاج : وترك المعادلة؛ لأن فيما بعده دليلاً علىه، وهو قوله :﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [ هود : ٢٤ ]، قال ابن قتيبة : لما ذكر قبل هذه الآية قومًا ركنوا إلى الدنيا وأرادوها، جاء بهذه الآية، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا ؟ فاكتفي من الجواب بما تقدم إذ كان دليلاً علىه، وقال ابن الأنباري : إنما حذف لانكشاف المعنى، وهذا كثير في القرآن.
قلت : نظير هذه الآية من المحذوف :﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [ فاطر : ٨ ]، كمن ليس كذلك، وقد قال بعد هذا :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾، وهذا هو القسم الآخر المعادل لهذا الذي هو على بينة من ربه، وعلى هذا يكون معناها أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم، ويكون ـ أيضًا ـ معناها :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي : بصيرة في دينه، كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، وهذا كقوله :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ الآية [ الأنعام : ١٢٢ ]. وكقوله :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ﴾ [ محمد : ١٤ ] وقوله :﴿ أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي ﴾ الآية [ يونس : ٣٥ ].