وعلى هذا، فالمعنى هنا :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ﴾ يذم ويخالف ويكذب ونحو ذلك، كقوله :﴿ قُلْ إِنِّي على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ]، وحذف جواب / الشرط، وكقوله :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [ العلق : ١١ ـ ١٣ ].
فقد تبين أن معنى الآية من أشرف المعاني وهذا هو الذي ينتفع به كل أحد، وأن الآية ذكرت من كان على بينة من ربه، من الإيمان الذي شهد له القرآن، فصار على نور من ربه وبرهان من ربه على مادلت عليه البراهين العقلية والسمعية، كما قال :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾ [ النساء : ١٧٤ ]، فالنور المبين المنزل يتناول القرآن. قال قتادة : بينة من ربكم، وقال الثَّوْرِي : هو النبي صلي الله عليه وسلم، وقال البغوي : هذا قول المفسرين ولم أجده منقولاً عن غير الثاني، ولا ذكره ابن الجوزي عن غيره.
وذكر في البرهان ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الحجة. والثاني : أنه الرسول. وذكر أنه القرآن عن قتادة. والذي رواه ابن أبي حاتم عن قتادة بالإسناد الثابت أنه بينة من الله، والبينة والحجة تتناول آيات الأنبياء التي بعثوا بها، فكل ما دل على نبوة محمد صلي الله عليه وسلم فهو برهان. قال تعالي :﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ القصص : ٣٢ ]، وقال لمن قال : لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصاري، قل : هاتوا برهانكم.