ولهذا كان أكثر العلماء على أن شهادة الوالد وشهادة الولد لوالده لا تقبل، فكيف يجعل مثل هذا حجة لنبوة محمد صلي الله عليه وسلم مؤكدًا لها ؟ ولذلك قالوا في قوله تعالي :﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [ الرعد : ٤٣ ]، أنه علي، وهم مع كذبهم هم أجهل الناس، فإنهم نسبوا الله والرسول إلى الاحتجاج بما لا يحتج به إلا جاهل، فأرادوا تعظيم علي، فنسبوا الله والرسول إلى الجهل، وعلى إنما فضيلته باتباعه للرسول، فإذا قدح في الأصل بطل الفرع.
وأما قول من قال من المفسرين : إن ( الشاهد ) : جبريل ـ عليه السلام ـ فقد روي ذلك عكرمة عن ابن عباس، ذكره ابن أبي حاتم عنه، وعن أبي العالية، وأبي صالح، ومجاهد في إحدي الروايات عنه، وإبراهيم، وعِكْرِمَة، والضَّحَّاك، وعطاء الخُرَاسَاِني نحو ذلك. وهؤلاء جعلوا ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ : بمعني : يقرأه، أي : ويتلو القرآن الذي هو البينة، شاهد من الله هو، وقيل : بل معنى قولهم : إن القرآن يتلوه جبريل هو شاهد محمد صلي الله عليه وسلم، أي : الذي يتلوه جاء من عند الله.
وقد تقدم بيان ضعف هذا القول، فإن كل من فسر يتلوه / بمعنى يقرؤه، جعل الضمير فيه عائدًا إلى القرآن، وجعل الشاهد غير القرآن.
والقرآن لم يتقدم له ذكر، إنما قال :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [ محمد : ١٤ ] والبينة لا يجوز أن يكون تفسيرها بحفظ القرآن، فإن المؤمنين كلهم على بينة من ربهم وإن لم يحفظوا القرآن، بخلاف البصيرة في الدين، فإنه من لم يكن على بصيرة من ربه لم يكن مؤمنًا حقًا، بل من القائلين ـ لمنكر ونكير ـ : آه آه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.


الصفحة التالية
Icon