ثم قال : فإن قلنا : المراد : من كان على بينة من ربه : المسلمون، فالمعني : أنهم يتبعون الرسول وهو البينة، ويتبع هذا النبي شاهد منه يصدقه، والمسلمون إذا كانوا على بينة فهي الإيمان بالرسول، ليست البينة ذات الرسول، والرسول ليس هو مذكورًا في كلامه، فقوله :﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ لابد أن يعود إلي ﴿ مٌَنًه ﴾ لكن إعادته إلى البينة أولي.
وفسر البينة بالرسول، وجعل الشاهد يشهد له بصدقه. ثم الشاهد جبريل أو غيره، فلو قال : الشاهد هو القرآن يشهد للمؤمنين، فإنه يتبعهم كما يتبعونه كان قد ذكر الصواب.
وهو قد ذكر أقوالاً كثيرة لم يذكرها غيره، وذكر في يتْلُوه قولين : أحدهما : يتبعه. والثاني : يقرؤه، وهما قولان مشهوران.
وذكر في ( هـ ) يتلوه قولين : أنها ترجع إلى النبي. والثاني : أنها ترجع إلى القرآن.
والتحقيق، أنها ترجع إلى ( من )، أو ترجع إلى البينة، والبينة يراد بها القرآن، فيكون المعنى أن الشاهد من القرآن، وإذا رجع الضمير إلى ( من )، فإن جعل مختصًا بالنبي صلي الله عليه وسلم ـ وهو القول الذي تقدم بيان فساده ـ عاد الضمير إلى البينة، وإن كانت ( من ) تتناول كل من كان على بينة من ربه من المؤمنين ـ ورسول الله أولي المؤمنين ـ تناول الجميع.
ومما يوضح ذلك، أن رسول الله جاء بالرسالة من الله، وهذا يختص به، وتصديق هذه الرسالة والإيمان بها واجب على الثقلين، والرسول هو أول من يجب عليه الإيمان بهذه الرسالة التي أرسله الله / بها؛ ولهذا قال في سورة يونس :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس : ١٠٤ ]، وقال :﴿ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ﴾ [ الأنعام : ١٤ ]، إلى غير ذلك من الآيات.


الصفحة التالية
Icon