فهو ﷺ يتعلق به أمران عظيمان :
أحدهما : إثبات نبوته وصدقه فيما بلغه عن الله، وهذا مختص به.
والثاني : تصديقه فيما جاء به، وأن ما جاء به من عند الله حق يجب اتباعه، وهذا يجب عليه وعلى كل أحد، فإنه قد يوجد فيمن يرسله المخلوق من يصدق في رسالته، لكنه لا يتبعها، إما لطعنه في المرسل، وإما لكونه يعصه، وإن كان قد أُرْسِل بحق، فالملوك كثيرًا ما يرسلون رسولاً بكتب وغيرها يبلغ الرسل رسالتهم، فيصدقون بها. ثم قد يكون الرسول أكثر مخالفة لمرسله من غيره من المرسل إليهم؛ ولهذا ظن طائفة ـ منهم القاضي أبو بكر ـ أن مجرد كونه رسولاً لله لا يستلزم المدح، ثم قال : إن هذا قد يقال فيمن قبل الرسالة وبلغها، وفيمن لم يقبل، لكن هذا غلط، فإن الله لا يرسل رسولاً إلا وقد اصطفاه، فَيبَلِّغ رسالات ربه. ورسل الله /هم أطوع الخلق لله وأعظم إيمانًا بما بعثوا به، بخلاف المخلوق فإنه يرسل من يكذب عليه، ومن يعصيه، ومن لا يعتقد وجوب طاعته والخالق منزه عن ذلك.
لكن هؤلاء الذين قالوا هذا، يجوزون على الرب أن يرسل كل أحد بكل شيء، ليس في العقل عندهم ما يمنع ذلك، وإنما ينزهون الرسل عما أجمع المسلمون على تنزيههم عنه عندهم، مما ثبت بالسمع لا من جهة كونه رسولاً، كما قد بُسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أن هذا الأصل خطأ.
ولما كان هو صلي الله عليه وسلم يتعلق به الأمران : في الأول : يقال : آمنت له، كما قال تعالي :﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ﴾ [ يونس : ٨٣ ]، وقوله :﴿ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ٦١ ]، ﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا ﴾ [ يوسف : ١٧ ].