فلما أثبت هذين الأصلين، أخذ بعد هذا في بيان الإيمان به، وحال من آمن ومن كفر، فقال :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ الآية [ هود : ١٧ ]. ثم قال :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ [ هود : ١٨ ]، وهذا يتناول كل كافر ممن كَذَبَ على الله بادعاء الرسالة كاذبًا، ويتناول كل من كَذَّبَ رسولاً صادقًا، فقال : إن الله لم يرسل هذا، ولم يأمر بهذا، فكَذَبَ على الله، وهذا إنما يقع ممن فسد/قصده بحب الدنيا وإرادتها، وممن أحب الرئاسة وأراد العلو في الأرض من أهل الجهل.
وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :( إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة حتي يلقي عليه كنفه، ويقول : فعلت يوم كذا كذا وكذا، ويوم كذا كذا وكذا، فيقول : نعم، فيقول : إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطي كتاب حسناته بيمينه ).
وأما الكفار والمنافقون، فـ ﴿ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [ هود : ١٨ ]، ثم ذكر ـ تعإلى ـ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم ذكر مثل الفريقين، فمن تدبر القرآن، وتدبر ما قبل الآية وما بعدها، وعرف مقصود القرآن؛ تبين له المراد، وعرف الهدي والرسالة، وعرف السداد من الانحراف والاعوجاج.
وأما تفسيره بمجرد ما يحتمله اللفظ المجرد عن سائر ما يبين معناه، فهذا منشأ الغلط من الغالطين؛ لا سيما كثير ممن يتكلم فيه بالاحتمالات اللغوية. فإن هؤلاء أكثر غلطًا من المفسرين المشهورين، فإنهم لا يقصدون معرفة معناه، كما يقصد ذلك المفسرون.


الصفحة التالية