وأعظم غلطًا من هؤلاء وهؤلاء من لا يكون قصده معرفة مراد الله، / بل قصده تأويل الآية بما يدفع خصمه عن الاحتجاج بها، وهؤلاء يقعون في أنواع من التحريف، ولهذا جوز من جوَّز منهم أن تتأول الآية بخلاف تأويل السلف، وقالوا : إذا اختلف الناس في تأويل الآية على قولين، جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين، وهذا خطأ، فإنهم إذا أجمعوا على أن المراد بالآية إما هذا، وإما هذا، كان القول بأن المراد غير هذين القولين خلافًا لإجماعهم، ولكن هذه طريق من يقصد الدفع لا يقصد معرفة المراد، وإلا فكيف يجوز أن تضل الأمة عن فهم القرآن، ويفهمون منه كلهم غير المراد، [ ويأتي ] متأخرون يفهمون المراد، فهذا هذا. والله أعلم.
فصل
وقوله :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ ـ كما تقدم هو ـ كقوله :﴿ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ]، وقوله :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٤ ]، وقوله :﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه ﴾ [ الزمر : ٢٢ ]، وقوله :﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ٥ ].
فإن هذا النوع يبين أن المؤمن على أمر من الله، فاجتمع في هذا اللفظ حرف الاستعلاء، وحرف ( من ) لابتداء الغاية، وما يستعمل فيه حرف ابتداء الغاية فيقال : هو من الله على نوعين، فإنه إما أن يكون من الصفات التي لا تقوم بنفسها، ولا بمخلوق، فهذا يكون صفة له، وما كان عينًا قائمة بنفسها، أو بمخلوق فهي مخلوقة.