أحدهما : أنه يأمر بها ويحبها، وإذا كانت خيرًا فهو يصدقها ويخبر بها، فهي من علمه وحكمه، وهي ـ أيضًا ـ من إلهامه لعبده وإنعامه عليه، لم تكن بواسطة النفس والشيطان؛ فاختصت بإضافتها إلى الله من جهة أنها من علمه وحكمه، وإن النازل بها إلى العبد ملك، كما اختص القرآن بأنه منه كلام، وقرآن مسيلمة بأنه من الشيطان، فإن ما يلقيه الله في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة، هي من وحي الله، وكذلك ما يريهم إياه في المنام، قال عُبَادة بن الصامت : رُؤْيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في منامه، وقال عمر : اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم يتجلي لهم أمور صادقة، وقد قال تعالي :﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ﴾ [ المائدة : ١١١ ]، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ [ القصص : ٧ ]، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا ﴾ [ يوسف : ١٥ ]، وقال :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]، على قول الأكثرين، وهو أن المراد : أنه ألهم الفاجرة فجورها، والتقية تقواها، فالإلهام عنده هو البيان بالأدلة السمعية والعقلية.
وأهل السنة يقولون : كلا النوعين من الله، هذا الهدي المشترك / وذاك الهدي المختص، وإن كان قد سماه إلهامًا كما سماه هدي، كما في قوله :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [ فصلت : ١٧ ]، وكذلك قد قيل في قوله :﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [ البلد : ١٠ ] أي : بينا له طريق الخير والشر، وهو هدي البيان العام المشترك، وقيل : هدينا المؤمن لطريق الخير، والكافر لطريق الشر؛ فعلى هذا يكون قد جعل الفجور هدي، كما جعل أولئك البيان إلهامًا.