وكذلك قوله :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [ الإنسان : ٣ ]، قيل : هو الهدي المشترك، وهو أنه بين له الطريق التي يجب سلوكها، والطريق التي لا يجب سلوكها، وقيل : بل هدي كلا من الطائفتين إلى ما سلكه من السبيل ﴿ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾.
لكن تسمية هذا هدي قد يعتذر عنه بأنه هدي مقيد لا مطلق، كما قال :﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ آل عمران : ٢١ ]، وكما قال :﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [ النساء : ٥١ ]، وأنه ﴿ يَقُولُ الْحَقَّ ﴾ [ الأحزاب : ٤ ] و ﴿ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [ النحل : ٩٠ ] فهو موافق لقوله وأمره لعلمه وحكمه، كما أن القرآن وسائر كلامه كذلك، وباعتبار أنه أنعم على العبد بواسطة جنده بالملائكة.
ويقال لضد هذا ـ وهو الخطأ ـ : هذا من الشيطان والنفس؛ لأن الله لا يقوله ولا يأمر به؛ ولأنه إنما يَنْكُتُه في قلب الإنسان / الشيطان، ونفسه تقبله من الشيطان، فإنه يزين لها الشيء فتطيعه فيه، وليس كل ما كان من الشيطان يعاقب عليه العبد، ولكن يفوته به نوع من الحسنات كالنسيان، فإنه من الشيطان، والاحتلام من الشيطان، والنعاس عند الذكر والصلاة من الشيطان، والصعق عند الذكر من الشيطان، ولا إثم على العبد فيما غلب عليه، إذا لم يكن ذلك بقصد منه أو بذنب.


الصفحة التالية
Icon