فقوله :﴿ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ] وشبهها ـ مما تقدم ذكره ـ من هذا الباب، وكذلك قوله :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ [ محمد : ٣ ]، فإن المؤمنين على تصديق ما أخبر الله به، وفعل ما أمر الله ابتداء وتبليغًا كالقرآن، وقد قال :( إن الله أنزل الأمانة في جَذْرِ قلوب الرجال ) فهي تنزل في قلوب المؤمنين من نوره وهداه، وهذه حسنات دينية وعلوم دينية حق نافعة في الدنيا والآخرة، وهو الإيمان الذي هو إفضال المنعم، وهو أفضل النعم.
وأما قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ [ النساء : ٧٩ ]، فقد دخل في ذلك نعم الدنيا كلها، كالعافية والرزق، والنصر، وتلك حسنات يبتلي الله العبد بها، كما يبتليه بالمصائب، هل يشكر أم لا ؟ وهل يصبر أم لا ؟ كما قال تعالي :﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ]، وقال :﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ]، ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾ الآيات [ الفجر : ١٥ ].
وقد يقال في الشيء : إنه من الله وإن كان مخلوقًا إذا كان مختصًا بالله، كآيات الأنبياء، كما قال لموسي :﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ القصص : ٣٢ ]، وقلب العصا حية، وإخراج اليد بيضاء من غير سوء مخلوق لله، لكنه منه لأنه دل به وأرشد إلى صدق نبيه موسي، وهو تصديق منه وشهادة منه له بالرسالة والصدق، فصار ذلك من الله بمنزلة البينة من الله، والشهادة من الله، وليست هذه الآيات مما تفعله الشياطين والكهان، كما يقال : هذه علامة من فلان، وهذا دليل من فلان، وإن لم يكن ذلك كلامًا منه.


الصفحة التالية
Icon