وقد سمي موسي ذلك بينة من الله فقال :﴿ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٠٥ ]، فقوله :﴿ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، كقوله :﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ ﴾.
وهذه البينة هنا حجة وآية، ودلالة مخلوقة تجري مجري شهادة الله وإخباره بكلامه، كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله، قال سعيد بن جبير في الآية : هي كالخاتم تبعث به، فيكون هذا بمنزلة قوله : صدقوه فيما قال، أو أعطوه ما طلب.
فالقرآن والهدي منه، وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق، وهذه الآيات دليل على ذلك، كما يكتب كلامه في / المصاحف، فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام، قال تعالي :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ].
ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة، كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلي الله عليه وسلم ونحو ذلك. والله ـ سبحانه ـ أعلم.

فصل


فى قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ الآية، وما بعدها إلى قوله :﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ هود : ١٧ـ٢٤ ]، ذكر ـ سبحانه ـ الفرق بين أهل الحق والباطل، وما بينهما من التباين والاختلاف مرة بعد مرة، ترغيبًا فى السعادة وترهيبًا من الشقاوة.
وقد افتتح السورة بذلك فقال :﴿ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ [ هود : ١، ٢ ]، فذكر أنه نذير وبشير، نذير ينذر بالعذاب لأهل النار، وبشير يبشر بالسعادة لأهل الحق.


الصفحة التالية
Icon