وقوله تعالى :﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ [ هود : ١ ]، فقد فصله بعد إحكامه، بخلاف من تكلم بكلام لم يحكمه، وقد يكون فى الكلام المحكم ما لم يبينه لغيره، فهو ـ سبحانه ـ أحكم كتابه ثم فصله وبينه لعباده، كما قال :﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [ الأنعام : ٥٥ ]، وقال :﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ الأعراف : ٥٢ ]، فهو ـ سبحانه ـ بينه وأنزله على عباده بعلم ليس كمن يتكلم بلا علم.
وقد ذكر براهين التوحيد والنبوة قبل ذكر الفرق بين أهل الحق والباطل، فقال :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ إلى قوله :﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [ هود : ١٣، ١٤ ]، فلما تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله مفتريات هم وجميع من يستطيعون من دونه، كان فى مضمون تحديه أن هذا لا يقدر أحد على الإتيان بمثله من دون الله، كما قال :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ].
وحينئذ، فعلم أن ذلك من خصائص من أرسله الله، وما كان / مختصا بنوع فهو دليل عليه؛ فإنه مستلزم له، وكل ملزوم دليل على لازمه كآيات الأنبياء كلها، فإنها مختصة بجنسهم.


الصفحة التالية
Icon