وهذا القرآن مختص بجنسهم ومن بين الجنس خاتمهم لا يمكن أن يأتى به غيره، وكان ذلك برهانًا بينًا على أن الله أنزله، وأنه نزل بعلم الله هو الذى أخبر بخبره، وأمر بما أمر به، كما قال :﴿ لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ الآية [ النساء : ١٦٦ ]، وثبوت الرسالة ملزوم لثبوت التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، من جهة أن الرسول أخبر بذلك، ومن جهة أنه لا يقدر أحد على الإتيان بهذا القرآن إلا الله، فإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله، إلى غير ذلك من وجوه البيان فيه، كما قد بسط ونبه عليه فى غير هذا الموضع، ولا سيما هذه السورة، فإن فيها من البيان والتعجيز ما لا يعلمه إلا الله، وفيها من المواعظ والحكم والترغيب والترهيب ما لا يُقَدِّر قدره إلا الله.
والمقصود هنا هو الكلام على قوله :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ [ هود : ١٧ ] حيث سأل السائل عن تفسيرها، وذكر ما فى التفاسير من كثرة الاختلاف فيها، وأن ذلك الاختلاف يزيد الطالب عَمَى عن معرفة المراد الذى يحصل به الهدى والرشاد، فإن الله ـ تعالى ـ إنما نزل القرآن ليهتدى به لا ليختلف فيه، والهدى إنما يكون إذا عرفت معانيه، فإذا حصل الاختلاف المضاد لتلك المعانى التى لا يمكن الجمع بينه / وبينها لم يعرف الحق، ولم تفهم الآية ومعناها، ولم يحصل به الهدى والعلم الذى هو المراد بإنزال الكتاب.
قال أبو عبد الرحمن السُلَمِى : حدثنا الذين كانوا يُقْرِئُونَنَا القرآن ـ عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبى ﷺ عشر آيات، لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.