وقال الحسن البصرى : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فى ماذا نزلت، وماذا عنى بها. وقد قال تعالى :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [ النساء : ٨٢ ]، وتدبر الكلام إنما ينتفع به إذا فهم، وقال :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الزخرف : ٣ ].
فالرسل تبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وعليهم أن يبلغوا الناس البلاغ المبين، والمطلوب من الناس أن يعقلوا ما بلغه الرسل، والعقل يتضمن العلم والعمل، فمن عرف الخير والشر، فلم يتبع الخير ويحذر الشر لم يكن عاقلا؛ ولهذا لا يُعَدُّ عاقلا إلا من فعل ما ينفعه، واجتنب ما يضره، فالمجنون الذى لا يفرق بين هذا وهذا قد يُلْقِى نفسه فى المهالك، وقد يفر مما ينفعه.
وسُئلَ ـ رَحِمُه الله ـ عن قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ [ هود : ١٠٨ ]، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ].
فأجاب :
الحمد لله، قال طوائف من العلماء أن قوله :﴿ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ أراد بها سماء الجنة وأرض الجنة، كما ثبت فى الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال :( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسَقْفُه عرش الرحمن )، وقال بعض العلماء فى قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ]، هى أرض الجنة.
وعلى هذا، فلا منافاة بين انطواء هذه السماء وبقاء السماء التى هى سقف الجنة، إذ كل ما علا فإنه يسمى فى اللغة سماء، كما يسمى السحاب سماء، والسقف سماء.
وأيضًا، فإن السموات وإن طُوِيَت وكانت كالمُهْلِ، واستحالت عن صورتها، فإن ذلك لا يوجب عدمها وفسادها، بل أصلها باق، بتحويلها من حال إلى حال، كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ]، وإذا بدلت فإنه لا يزال سماء دائمة، وأرض دائمة. والله أعلم.