وقيل : بل الشيطان أَنْسَى الذى نجا منهما ذكر ربه، وهذا هو الصواب، فإنه مطابق لقوله :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾، قال تعالى :﴿ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ والضمير يعود إلى القريب، إذا لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك؛ ولأن يوسف لم ينس ذكر ربه، بل كان ذاكرًا لربه.
وقد دعاهما قبل تعبير الرؤيا إلى الإيمان بربه، وقال لهما :﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ يوسف : ٣٩، ٤٠ ].
وقال لهما قبل ذلك :﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ أى : فى الرؤيا ﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾، يعنى : التأويل ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [ يوسف : ٣٧، ٣٨ ]، فبذا يذكر ربه ـ عز وجل ـ فإن هذا مما علمه ربه؛ لأنه ترك ملة قوم مشركين لا يؤمنون بالله، وإن كانوا مقرين بالصانع ولا يؤمنون بالآخرة، واتبع ملة آبائه أئمة المؤمنين ـ الذين جعلهم الله أئمة يدعون بأمره ـ إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فذكر ربه ثم دعاهما إلى الإيمان بربه.