ثم بعد هذا عبر الرؤيا فقال :﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ الآية [ يوسف : ٤١ ]، ثم لما قضى تأويل الرؤيا قال للذى نجا منهما :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾ [ يوسف : ٤٢ ]، فكيف يكون قد أَنْسَى الشيطان يوسف ذكر ربه ؟ وإنما أنسى الشيطان الناجى ذكر ربه، أى : الذكر المضاف إلى ربه والمنسوب إليه، وهو أن يذكر عنده يوسف. والذين قالوا ذلك القول، قالوا : كان الأولى أن يتوكل على الله، ولا يقول : اذكرنى عند ربك، فلما نسى أن يتوكل على ربه جوزى بِلُبْثِه فى السجن بِضْعَ سنين.
فيقال : ليس فى قوله :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾ ما يناقض التوكل، بل قد قال يوسف :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ﴾ [ يوسف : ٤٠ ]، كما أن قول أبيه :﴿ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾ [ يوسف : ٦٧ ]، لم يناقض توكله، بل قال :/ ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [ يوسف : ٦٧ ].
وأيضًا، فيوسف قد شهد الله له أنه من عباده المخلصين، والمخلص لا يكون مخلصًا مع توكله على غير الله، فإن ذلك شرك، ويوسف لم يكن مشركًا لا فى عبادته ولا توكله، بل قد توكل على ربه فى فعل نفسه بقوله :﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ يوسف : ٣٣ ]، فكيف لا يتوكل عليه فى أفعال عباده.


الصفحة التالية
Icon